سورة الكهف - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الكهف)


        


{كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ} أي: أعطت كل واحدة من الجنتين {أُكُلَهَا} ثمرها تاما {وَلَمْ تَظْلِمْ} لم تنقص {مِنْهُ شَيْئًا وَفَجَّرْنَا} قرأ العامة بالتشديد وقرأ يعقوب بتخفيف الجيم {خِلالَهُمَا نَهَرًا} يعني: شققنا وأخرجنا وسطهما نهرا. {وَكَانَ لَهُ} لصاحب البستان {ثَمَرٌ} قرأ عاصم وأبو جعفر ويعقوب {ثَمَرٌ} بفتح الثاء والميم وكذلك: {بثمره} وقرأ أبو عمرو: بضم الثاء ساكنة الميم وقرأ الآخرون بضمهما.
فمن قرأ بالفتح هو جمع ثمرة وهو ما تخرجه الشجرة من الثمار المأكولة.
ومن قرأ بالضم فهي الأموال الكثيرة المثمرة من كل صنف جمع ثمار. وقال مجاهد: ذهب وفضة وقيل: جميع الثمرات.
قال الأزهري: الثمرة تجمع على ثَمَر ويجمع الثمر على ثِمار ثم تجمع الثمار على ثُمُر.
{فَقَالَ} يعني صاحب البستان {لِصَاحِبِهِ} المؤمن {وَهُوَ يُحَاوِرُهُ} يخاطبه ويجاوبه: {أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالا وَأَعَزُّ نَفَرًا} أي: عشيرة ورهطا. وقال قتادة: خدما وحشما. وقال مقاتل: ولدا تصديقه قوله تعالى: {إن ترن أنا أقل منك مالا وولدا} [الكهف- 39]. {وَدَخَلَ جَنَّتَهُ} يعني الكافر أخذ بيد أخيه المسلم يطوف به فيها ويريه أثمارها {وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ} بكفره {قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ} تهلك {هَذِهِ أَبَدًا} قال أهل المعاني: راقه حسنها وغرته زهرتها فتوهم أنها لا تفنى أبدا وأنكر البعث. فقال: {وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً} كائنة {وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لأجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا} قرأ أهل الحجاز والشام هكذا على التثنية يعني من الجنتين وكذلك هو في مصاحفهم وقرأ الآخرون {مِنْهَا} أي: من الجنة التي دخلها {مُنْقَلَبًا} أي: مرجعا.
إن قيل: كيف قال: {ولئن رددت إلى ربي} وهو منكر البعث؟
قيل: معناه ولئن رددت إلى ربي- على ما تزعم أنت- يعطيني هنالك خيرا منها فإنه لم يعطني هذه الجنة في الدنيا إلا ليعطيني في الآخرة أفضل منها.


{قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ} المسلم {وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ} أي خلق أصلك من تراب {ثُمَّ} خلقك {مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلا} أي: عدلك بشرا سويا ذكرا. {لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي} قرأ ابن عامر ويعقوب: {لكنا} بالألف في الوصل وقرأ الباقون بلا ألف واتفقوا على إثبات الألف في الوقف وأصله: لكن أنا فحذفت الهمزة طلبا للتخفيف لكثرة استعمالها ثم أدغمت إحدى النونين في الأخرى قال الكسائي فيه تقديم وتأخير مجازه: لكن الله هو ربي {وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا} {وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ} أي: هلا إذ دخلت جنتك {قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ} أي: الأمر ما شاء الله. وقيل: جوابه مضمر أي: ما شاء الله كان، وقوله: {لا قُوَّةَ إِلا بِاللَّهِ} أي: لا أقدر على حفظ مالي أو دفع شيء عنه إلا بإذن الله.
وروي عن هشام بن عروة عن أبيه أنه كان إذا رأى من ماله شيئا يعجبه أو دخل حائطا من حيطانه قال ما شاء الله لا قوة إلا بالله.
ثم قال: {إِنْ تَرَنِي أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالا وَوَلَدًا} و{أنا} عماد ولذلك نصب أقل معناه: إن ترني أقل منك مالا وولدا فتكبرت وتعظمت علي. {فَعَسَى رَبِّي} فلعل ربي {أَنْ يُؤْتِيَنِي} يعطيني في الآخرة.
{خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا} أي: على جنتك {حُسْبَانًا} قال قتادة: عذابا وقال ابن عباس رضي الله عنه: نارا. وقال القتيبي: مرامي {مِنَ السَّمَاءِ} وهي مثل صاعقة أو شيء يهلكها واحدتها: حسبانة {فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا} أي أرضا جرداء ملساء لا نبات فيها وقيل: تزلق فيها الأقدام وقال مجاهد: رملا هائلا.


{أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا} أي: غائرا منقطعا ذاهبا لا تناله الأيدي ولا الدلاء والغور: مصدر وضع موضع الاسم مثل: زور وعدل {فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا} يعني: إن طلبته لم تجده. {وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ} أي: أحاط العذاب بثمر جنته وذلك أن الله تعالى أرسل عليها نارا فأهلكتها وغار ماؤها {فَأَصْبَحَ} صاحبها الكافر {يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ} أي: يصفق بيده على الأخرى ويقلب كفيه ظهرا لبطن تأسفا وتلهفا {عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ} أي ساقطة {عَلَى عُرُوشِهَا} سقوفها {وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا} قال الله تعالى: {وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ} جماعة {يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ} يمنعونه من عذاب الله {وَمَا كَانَ مُنْتَصِرًا} ممتنعا منتقما أي: لا يقدر على الانتصار لنفسه وقيل: لا يقدر على رد ما ذهب عنه. {هُنَالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ} يعني: في القيامة قرأ حمزة والكسائي {الولاية} بكسر الواو يعني السلطان وقرأ الآخرون بفتح الواو من: الموالاة والنصر كقوله تعالى: {الله ولي الذين آمنوا} [البقرة- 257] قال القتيبي: يريد أنهم يولَّونه يومئذ ويتبرؤون مما كانوا يعبدون.
وقيل: بالفتح: الربوبية وبالكسر: الإمارة.
{الْحَقِّ} برفع القاف: أبو عمرو والكسائي على نعت الولاية وتصديقه قراءة أبي: {هُنَالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ} وقرأ الآخرون بالجر على صفة الله كقوله تعالى: {ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق} [الأنعام- 62].
{هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا} أفضل جزاء لأهل طاعته لو كان غيره يثيب {وَخَيْرٌ عُقْبًا} أي: عاقبة طاعته خير من عاقبة طاعة غيره فهو خير إثابة وعاقبة: طاعة قرأ حمزة وعاصم {عقبا} ساكنة القاف وقرأ الآخرون بضمها.

2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9